حياة العلوم

فضل الإسلام سؤال و جواب

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

س1: من مؤلف كتاب _فضل الإسلام_؟ ومتى تُوفِّي؟

ج1: إمام الدعوة الإصلاحية السَّلفيَّة في جزيرة العرب في القرن الثاني عشر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي رحمه الله، المتوفَّى سنة ستّ بعد المائتين والألف. ص4

س2: لماذا ابتدأ المصنِّف رحمه الله كتابه بالبسملة؟

ج2: اتّباعاً للسُّنة النبوية في الوارد في مراسلاته ومكاتبات إلى الملوك، والتصانيف تجري مجراها. ص6

باب فضل الإسلام

س3: ما مقصود التَّرجمة: بيان فضل الإسلام؟

ج3: مقصود التَّرجمة: بيان فضل الإسلام: وهو ما اختصَّ به من المحاسن.
وأصل الفضل: الزيادة.
فالمراد: بيان المحاسن التي زاد بها الإسلام على غيره. ص7

س4: ذكر المصنف فضل الإسلام قبل بيان حقيقته. لماذا؟

ج4: لتتشوَّف النُّفوس إليه، وتتطلَّع لمعرفته. ومن سُنن العرب في كلامهم: تقديم فضل الشيء إذا كانت حقيقته مكشوفةً معلومةً. ذكره أبو الفضل ابن حجر في «فتح الباري» ص7

س5: تقديم فضل الشيء قبل بيان حقيقته له موجِب وشرط. ما هما

ج5: موجبه: إرادة التَّشويق إليه.
وشرطه: أن تكون حقيقته مكشوفةً معلومة. ص7

الأدلَّة على تحقيق مقصود التَّرجمة

س1: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب فضل الإسلام؟ اذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج1: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثمانية أدلة.
أماالدليل الأول قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3] ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاثة وجوه:
أولها: في قوله: (﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة:3]) فبلوغ الكمال فضل، وكوْن المكمِّل له هو الله غاية الفضل.
فكمال الإسلام دالٌّ على فضله من جهتين:
أولاهما: كونه كاملاً، فإن الكمال دال على الفضل.
والأخرى: أن الذي كمَّله هو الله سبحانه وتعالى.
وثانيها: في قوله تعالى: (﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة:3]) فأجلُّ نعمة الله علينا الإسلام؛ فمن فضل الإسلام أنه أجلُّ النِّعم الإلهية، وأعظم المِنن الرحمانية.
وثالثها: في قوله تعالى: (﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]) فمن فضل الإسلام أنه الدين المرضيُّ لنا من الله، وما عداه مُبغَضٌ مسخوط عليه، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85] ص7/8

س2: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج2: قوله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 104] ودلالته على مقصود الترجمة في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ [يونس:104]) وهو الإسلام، مع قوله: أعبدُ الله.
فمن فضل الإسلام أنَّ المعبود فيه هو الله وحده؛ فإن في النفوس ضرورة داعية للافتقار إلى مَنْ تأْلَهُهُ وتُعظِّمه، ولا يسد تلك الضرورة إلا عبادة الله، فمن فضل دين الإسلام أن تلك الضرورة من العبادة يتوجه فيها الخلق إلى المعبود الحق وهو الله (. ص8

س3: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج3: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[الحديد: 28] ودلالته على مقصود الترجمة: في عِظَم الجزاء المُرَتَّب على الإسلام مما يدل على فضله، فتعظيم أجره عنوان فضله.
فالإسلام في قوله: (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾ [الحديد:28])، والجزاء في قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾[الحديد:28]) ص8

س4: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي عملاً مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صلاة الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً وَأَقَلَّ أجراً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ أجركم شيئاً قَالُوا: لا، قَالَ : ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (فذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ) فإن صاحب الدار جعل فضله لِمَنْ عَمِل عنده من العصر إلى غروب الشمس، فأعطاه عطاءً أوفر وأكثر من غيره فكان أقلَّ عملاً وأكثر عطاءً، فله قيراطان من الجزاء مع قلة العمل.
وهذا مَثَلٌ ضربه الله لهذه الأمة، فإنهم في وجودهم بالنظر إلى الأمم قبلهم كأنهم آتون في آخر اليوم فجاءوا بعد الأمم كلها، ومنها أمم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ثم جعل الله ( لهم من الأجور والفضل ما ليس لِمَنْ تَقَدَّمهم، فهم الآخرون وجوداً، السابقون أجوراً. ص9/10

س5: ما المقصود بقول المؤلف في الحديث السابق: _وفي الصحيح_؟

ج5: هذا الإطلاق يأتي على معنيين:
أحدهما: إرادة كتاب مُصَنَّفٍ في الصحيح، والمعهود عندهم هو صحيح البخاري ومسلم اتفاقاً أو انفراداً، فرُبما قيل: (وفي الصحيح) وكان المراد أن الحديث عندهما معاً أو عند واحدٍ منهما.
والآخر: إرادة جنس الحديث الصحيح بأن يكون محكوماً عليه بالصحة، فربما وقع في كلام أحد (وفي الصحيح) لا يريد الكتاب المُصَنَّف فيه؛ بل يريد أن الحديث المذكور ثابتٌ، داخلٌ في شرط الصحة. ص9

س6: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله : «أَضَلَّ اللَّه عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ والنَّصَارَى يَوْمُ الأحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا الله لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالأوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أخرجه البخاري.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الأوَّلُونَ من يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: نحن الآخرون وجوداً من أهل الأرض، فهذه الأمة هي الأمة السبعون من أمم الأرض؛ ثبت هذا في حديث معاوية بن حَيْدَة عند الترمذي.
ومع تأخُّر هذه الأمة وجوداً فهي السابقة إلى الله كما قال: (الأوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: المتقدمون على سائر الأمم في دخول الجنة.
وهذا السبْق الذي حازوه موجِبه أنهم يدينون بدين الإسلام؛ فمن فضل الإسلام أنَّ إحراز السبق إلى الله يكون به. ص10

س7: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: الدَّليل السادس :حديث ((أحبُّ الدِّينِ إلى اللهِ : الحنيفيَّةُ السَّمحة )) عزاه المصنِّف إلى صحيح البخاري معلقاً.
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في وَصْفه دين الإسلام بأنه حنيف سمح، فهو حنيف في الاعتقاد، سمْحٌ في العمل.
والحنيفية: هي الإقبال على الله.
والسماحة: هي اليسر والسهولة.
واجتماعهما في وَصْفِه دالٌ على فضله.
والآخر: أنه أَحَبُّ الدين إلى الله، ومحبة الله له دالَّة على فضله، فإن الله عظيم والعظيم لا يحب إلا عظيماً، فمحبة الله دين الإسلام دالة على شرفه وعُلو قدْره. ص11/12

س8: ما هو المُعلَّق في اصطلاح المحدِّثين؟

ج8:المُعلَّق في اصطلاح المحدِّثين: ما سقط من مبتدأ إسناده فوق المصنِّف واحدٌ أو أكثر، فمتى وقع سقْطٌ فيما هو فوق المصنِّف كشيخه، أو شيخ شيخه، أو مَنْ فوقهما إلى الرَّسول سُمِّي مُعلَّقاً. ص11

س9: ما هو الدليل السابع على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج9: عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: «عليكم بالسبيل والسُّنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسُنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسَّه النار، وليس من عبد على سبيل وسُنَّة ذكر الرَّحمن فاقشعرَّ جلده من مخافة الله تعالى إلا كان كمثل شجرة يابس ورقها إلا تحاتَّت عنه ذنوبه كما تحاتَّ عن هذه الشجرة ورقها، وإنّ اقتصاداً في سُنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسُنة». إسناده ضعيف.
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في قوله: (فإنه ليس من عبد على سبيل وسُنة ذكر الرَّحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسَّه النار) فمن فضل الإسلام أنه يُحرِّم العبد على النار.
والآخر: في قوله: (وليس من عبد على سبيل وسُنة ذكر الله فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مَثَلُه مَثَل شجرة يَبس ورقها، فبينما هي كذلك أصابتها ريح فتحاتَّ عنها ورقها إلا تحاتَّت عنه ذنوبه كما تحاتَّ عن الشجرة ورقها) فمن فضل الإسلام أنه يمحو ذنوب العبد عنه.
واجتماع هذين الأمرين دالٌّ على فضل الإسلام؛ فهو يُحرِّم العبد على النَّار ويمحو ذنوبه.
وهذان المعنيان متقرِّران بدلائل كثيرة من الكتاب والسُّنة تبيِّن أن من فضل الإسلام أنه يُحرِّم العبد على النار ويمحو ذنوبه. ص6/12/13

س10: ما هو الدليل الثامن على مقصود الترجمة _ باب فضل الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك

ج10: عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: «يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم، ولمثقال ذرة مع بِر وتقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح عند الله من عبادة المغترين». إسناده ضعيف.
ودلالته على مقصود الترجمة: ما فيه من أن عمل البِرِّ مع حُسن إسلام العبد بالتَّقوى واليقين يضاعِف أجر عامله، فقليل عمله خير من كثير عبادة المغترِّين، فإذا أحسن العبد عمله ضُوعِف أجر العمل، فمن فضل الإسلام حصول تضعيف الأجور على الأعمال إذا قارنها الإحسان؛ وهو: اجتماع الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، فالأعمال المقرونة بهذا واقعةٌ على الإحسان فيضاعَف أجر عاملها.
فالمقصود الأعظم في الأعمال إحسانها لا تكثيرها. ص6/13

باب وجوب الإسلام

س1: ما مقصود الترجمة: باب وجوب الإسلام؟ وما المراد بالإسلام هنا؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان حُكم الإسلام وأنه واجب، والوجوب مُقتضى الإيجاب-أي: الأثر المُرَتَّب عليه-، فلمَّا كان الإسلام واجباً تعلَّق وجوبه بالخلق.
والإسلام المراد هنا: هو الدين الذي بُعِث به محمد ﷺ.
والمراد بوجوبه: مطالبة الخلق بالتزام أحكامه في الخبر والطلب. ص15

س2: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب وجوب الإسلام؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة

ج2: ذكر المصنِّف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثمانية أدلة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85] ودلالته على مقصود الترجمة: ما فيه من وعيد مَنْ ابتغى غير الإسلام ديناً.
والوعيد الموجِب للخُسران لا يكون إلا على ترْك واجب أو فِعْل مُحرَّم.
والْمُتوعَّد عليه هو: ابتغاء دين غير دين الإسلام؛ فيكون الدخول فيه واجباً، لأن السلامة من الخُسران لا تندفع إلا بأن يكون العبد مسلماً. ص15/16

س3: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج3: قوله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ‘آل عمران: 19’
ودلالته على مقصود الترجمة: ما فيه من تعيين الدين المَرضيّ عند الله أنَّه: دين الإسلام.
فالعبادة التي خُلقنا لأجلها وأُمرنا بها لا يتحقق حصولها إلا بالإسلام، فالإسلام واجب لأن امتثال العبادة موقوف عليه، فالإسلام واجب لأنَّ امتثال عبادة الله موقوف عليه. ص16

س4: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: قوله تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[الأنعام: 153] ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في قوله: (﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الأنعام:153]) أي: اتَّبعوا الصراط المستقيم وهو: الإسلام.
ثبت تفسير الصِّراط بالإسلام من حديث النَّوَّاس بن سمعان عند أحمد بإسناد حسن.
والأمر في قوله: (﴿فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الأنعام:153]) دالٌّ على الإيجاب.
فالإسلام واجب.
والآخر: في قوله في تمام الآية: (﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام:153]) فهو نهي، والنهي للتحريم، فاتباع السُّبل مُحرَّم، ولا يتوقى العبد اتّباع السبل إلا بلزوم الإسلام، فالنهي عن اتباعها يستلزم إيجاب الإسلام. ص14/16/17

س5: ذكر المصنف في تفسير السبل قول مجاهد وهو ابن جبر المكي، أحد أصحاب ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (السبل: البدع والشُّبهات). فما هي السبل؟ ولماذا نوَّه مجاهد على هذا دون غيره؟

ج5: اسم السُّبل عام في كل ما يخالف الصراط المستقيم؛ فيندرج فيها الكفر، والبدعة، والكبائر، والصغائر.
ونوّه به مجاهد دون غيره لأنَّه أكثرها في الخلق شيوعاً، وأسرعها إلى النفوس علوقاً، فإن رواج البدع والشبهات على أهل الإسلام ظاهر بيّن، فإن أحدهم يتحاشى الوقوع في المعظَّم من الشرك والكفر حِفظاً لأصل دينه، لكن يروج عليه أمر البدع والشبهات فتتشوَّف نفسه إليها وتقبلها. ص17

س6: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: «مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» أخرجاه، وفي لفظ: «مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».
ودلالته على مقصود الترجمة: هو أن المحدَث في الدين مردود منهي عنه، ومقابله استلزاماً: أن يكون ما هو من الدين مقبولاً مأموراً به، فالتزام ما في دين الإسلام واجب لتوقُّف القبول عليه، فيكون الإسلام واجباً. ص14/17

س7: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام-؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله : «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى – قيل: ومَن يأبى؟ قال: مَنْ أطاعني دخل الجنَّة ومَنْ عصاني فقد أبى».ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في قوله: (مَنْ أطاعني دخل الجنَّة)، واستحقاق دخول الجنَّة يكون على امتثال مأمور به، أو ترْك منهي عنه، وأعظم المأمور به من طاعته هو دخول الإسلام فيكون الإسلام واجباً.
والآخر: في قوله: (ومَنْ عصاني فقد أبى) وعصيانه هو في الإعراض عمّا جاء به، وأعظم ما جاء به هو دين الإسلام، واستحقاق دخول النار في معصيته في أعظم ما جاء به دال على وجوبه، فيكون الإسلام واجباً. ص14/18

س8: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام_؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج8: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سُنَّة جاهلية، ومُطَّلِب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- قدّس الله روحه- قوله: سُنَّة جاهلية يندرج فيها كل جاهلية مُطلقة أو مُقيدة، أي في شخص دون شخص، كتابية، أو وثنية، أو غيرهما من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (ومبتغ في الإسلام سُنَّة جاهلية)، وسُنَّة الجاهليَّة: كل ما خالف ما جاء به الرسول ﷺ، وما نُسِب إليها من قول أو فِعْل فهو مُحرَّم، فالأقوال، والأفعال، والاعتقادات الوارد في خطاب الشَّرع أنَّها من الجاهلية هي مُحرّمة بنسبتها إلى حال الجهل.
فمَنْ طلب في الإسلام سُنَّة جاهليَّة فهو من أبغض الخلق إلى الله، ووقوع بُغض الله له لا يكون إلا على مواقعته مُحرَّماً، فلا يرتفع هذا البُغض ويسلم منه العبد إلا بالتزام سُنن الإسلام؛ فيكون الإسلام واجباً.
والمراد بـ (سنن الإسلام): شرائعه وشعائره. ص14/18

س9: السُّنن التي تكون في الناس بعد بعثة النبي نوعان. ما هي؟

ج9: أحدهما: سُنن الإسلام: وهي شعائره من الفرائض والنوافل؛ وهذه من محبوبات الله وبها أمر.
والآخر: سُنن الجاهلية: وهي كل ما خالف ما جاء به الرسول ؛ وهذه من مَبَاغِضِ الله ومَسَاخِطِه، وقد نهى عنها سبحانه. ص19

س10: ما هو الدليل السابع على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج10: عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: يا معشر القرَّاء استقيموا فإن استقمتم فقد سَبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (استقيموا) مع قوله: (فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً) فالسبْق الذي أحرزه هؤلاء هو بدخولهم في الإسلام فلا يتحقق السبق إلا به فيكون واجباً لتوقف حصول السبق إلى الله عليه.
والقرَّاء في عُرف السلف غالباً هم العالمون بالقرآن والسُّنة، العاملون بهما، وقد ذكر أبو الفضل ابن حجر في فتح الباري: أن صدر كلام حذيفة بن اليمان مما فيه ذِكْر سبْق أولئك له حُكم الرفع، فإنه خبر عن غيب. ص14/18

س11: ما هو الدليل الثامن على مقصود الترجمة _ باب وجوب الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج11: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقول عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فينهدم الإسلام ويُثلَم. إسناده ضعيف ولكن بمجموع طرقه يقضي أن يكون حسناً.
ودلالته على مقصود الترجمة: في قوله: (ولكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فينهدم الإسلام ويُثلَم)؛ والثَّلْم: هو الخلل، فالشر يتزايد بهدم الإسلام وثَلْمه، وذلك بذهاب الأخيار والعلماء، ولا يمكن التحرز من ثَلْم الإسلام إلا بالتزامه فيكون التزامه واجباً، فإذا التزم الخلق دين الإسلام ودانوا بما جاء به النبي وفشا فيهم حُفِظ الإسلام وقوي في النفوس، وإن تركوه مع ذهاب علمائهم وخيارهم فإنه لا تزال عُراه تُنقَض عروة عروة حتى لا يبقى منه شيء.
ص14/20

باب تفسير الإسلام

س1: ما مقصود الترجمة: باب تفسير الإسلام؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان حقيقة الإسلام ومعناه. ص22

س2: الإسلام الشرعي له إطلاقان. ما هما؟

ج2: أحدهما: عام؛ وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والبراءة والخلوص من الشرك وأهله.
وحقيقته: الاستسلام لله بالتوحيد.
والآخر: خاص؛ وله معنيان أيضاً: الأول: أنه الدين الذي بُعث به محمد ، فإنه يُسمى إسلاماً، ومنه حديث ابن عمر في الصحيحين: «بُني الإسلام على خمس..» الحديث؛ فجعل الإسلام اسماً للدين الذي جاء به ﷺ.
وحقيقته شرعاً:استسلام العبد باطناً وظاهراً لله تعبداً له بالشرع المنزَّل على محمد على مقام المشاهدة أو المراقبة.
والثاني: الأعمال الظاهرة؛ فإنها تُسمى إسلاماً، وهذا هو المراد إذا ذُكِر الإسلام مع الإيمان والإحسان. ص23

س3: لماذا استدل المصنِّف بالآيات الدَّالَّة على المعنى العام للإسلام على معناه الخاص؟

ج3: لأنه فرد من الأفراد المندرجة فيه، فالإسلام الذي هو دين النبي هو من جملة الاستسلام لله بالتوحيد. ص22

س4: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب تفسير الإسلام؟ اذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج4: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة خمسة أدلة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: {19 فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }[آل عمران: 20] ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران:20]) فحقيقة إسلام الوجه: هو استسلام العبد لله بالتوحيد، وهذا هو تفسير الإسلام بمعناه العام كما تقدم.
وقوله في الآية: (﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ [آل عمران:20]) أي: ومَنْ اتبعني مسلماً وجهه لله. ص23

س5: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب تفسير الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً». متفق عليه.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله..) الحديث.. ففيه تفسير الإسلام بما ذكر، وهذا مُبيِّن حقيقة الإسلام بمعناه الخاص وهو الدين الذي بُعِث به محمد ﷺ. ص21/24

س6: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب تفسير الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: عن أبي هريرة مرفوعاً: «المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَنْ هجر ما نهى الله عنه».
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده) فمن وَصْف المسلم حصول سلامة الخلق من لسانه ويده، وتحصيل تلك السلامة منه متوقف على كونه مستسلماً لله، وحصول تلك السلامة منه متوقف على كونه مستسلماً لله فلا يستعمل لسانه ويده إلا في ما أذِن الله به، وهذه هي حقيقة الإسلام.
فمَنْ استعمل يده ولسانه في ما أذِن الله به لم ينقص حظُّه من الإسلام، ومَنْ استعملهما في ما لم يأذن الله سبحانه وتعالى به نقص حظه منه. ص21/23/24

س7: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ باب تفسير الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: عن بهز بن حكيـم عن أبيه عن جده أنه سـأل رسـول الله عن الإسلام فقال: «أن تُسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة». رواه أحمد.
ودلالته على مقصود الترجمة ظاهرة؛ فهو جواب سؤال عن الإسلام، ففسَّره رسول الله بما ذكر له.
والإسلام يشمل إقبال الباطن والظاهر على الله بالاستسلام، والإسلام إقبال الباطن والظاهر على الله بالاستسلام.
فقوله: (أن تُسلم قلبك لله) متعلق بالباطن، وقوله: (وأن تولي وجهك إلى الله) مُتعلق بالظاهر، وهذه هي حقيقة الإسلام باطناً وظاهراً، أن يستسلم العبد لربه. ص21/24] <س8: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة _ باب تفسير الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟>
ج8: عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله ﷺ: ما الإسلام؟ فقال ﷺ: «أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان بالله، قال: وما الإيمان بالله؟، قال ﷺ: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت».
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في قوله: (أن تسلم قلبك لله).
والآخر: في قوله: (وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك). وتقدم وجه دلالة الجملتين في حديثين سابقين. ص21/25

باب قول الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] الآية

س1: ما مقصود الترجمة: باب قول الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 'آل عمران: 85'؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان بطلان جميع الأديان سوى الإسلام لأنها لا تُقبَل من أصحابها فتُرَدُّ عليهم، وكل مردود باطل، فجميع الأديان سوى دين الإسلام باطلة. ص26

س2: الأديان الباطلة سوى دين الإسلام نوعان. ما هي؟

ج2: أحدهما: الأديان المشتملة على ما يخالف دعوة الأنبياء جميعاً من توحيد الله، فكل تلك الأديان باطلة، لا فرق بين كونها قبل البعثة النبوية أم بعدها.
والآخر: الأديان التي جاء بها الأنبياء، ويختص بطلانها بعد البعثة النبوية، ويختص بطلانها ببعد البعثة النبوية. ص27

س3: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب قول الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 'آل عمران: 85 '؟واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج3: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثلاثة أدلة.
فالدليل الأول قوله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85] ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85] وما لا يُقبَل من العبد هو مردود عليه، ورده دليل بطلانه، فما سوى دين الإسلام دين باطل، وسعْي أهله في ضلال. ص26/28

س4: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَالْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 'آل عمران: 85 '؟وأين دلالته على ذلك؟

ج4: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : «تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة فيقول: إنكِ على خير، ثم تجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة، فيقول: إنكِ على خير، ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي قال الله تعالى في كتابه:: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85] رواه الإمام أحمد.ودلالته على مقصود الترجمة: في قوله : (ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام) فيقول الله (: (إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي) ثم قرأ رسول الله قوله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]وقراءته الآية هو تصديق لمعنى ما في الحديث من توقف النجاة والخسران ودخول الجنة والنار على الإسلام، فمَنْ أسلم نجا، ومَنْ لم يُسلِم خسر، وما أوجب خُسران العبد فهو باطل، فالأديان سوى دين الإسلام باطلة؛ لأنها تُوجِب خسران العبد.
ص26/27/28

س5: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}'آل عمران: 85؟و أين دلالته على ذلك؟

ج5: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: «مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». (رواه الإمام أحمد).
ودلالة الحديث على مقصود الترجمة في قوله: (ليس عليه أمرنا) مع قوله: (فهو رد) والمراد بالأمر: دين الإسلام، فما ليس عليه دين الإسلام فهو مردود، والمردود باطل؛ فالأديان الخارجة عن الإسلام باطلة لأنها ليست من أمرنا. ص28

باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه

س1: ما مقصود الترجمة: باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب- وهو: القرآن- عن جميع ما سواه.
والاستغناء: هو طَلَبُ الغِنى.
والمتابعة: هي امتثال ما فيه.
فيجب طلب الغِنى بمتابعة القرآن فلا يُحتاج معه إلى غيره. ص29

س2: الاستغناء بالقرآن له موردان عظيمان، ما هما؟

ج2: أحدهما: الاستغناء به في باب الخبر.
والآخر: الاستغناء به في باب الطلب.
فالورود على القرآن الكريم واستنباط المعاني الواردة فيه مما يتعلق بباب الخبر أو باب الطلب مغنية عن غيره. فمن كمال أَخْذ العلم: الورود على القرآن، والاستغناء به في مسائل الخبر والطلب. ص29/30

س3: قول المؤلف: (عن كل ما سواه) يشمل شيئين، ما هما؟

ج3: أحدهما: ما تَقَدَّمه من الكتب المنزَّلة على الأنبياء ولو لم تُحرَّف، فإن القرآن مهيمن عليها ناسخ لها، فلا كتاب لله يُحكَم به بعده إلا هو.
والآخر: ما خرج عن الكتب الإلهية من آراء الخلق ومقالاتهم. ص30

س4: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج4: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة دليلين:
فالدليل الأول: قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89] ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89] أي: إيضاحاً لكل ما يُحتاج إليه في أمر الدنيا والآخرة.
ووقوع الإيضاح به يقضي على العبد أن يستغني به عن غيره. ص29/30/31

س5: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: روى النسائي وغيره عن النبي أنه رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال: «أَمُتَهَوِّكُونَ يَا ابْنَ الخَطّابِ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً واتبعتموه وتركتموني ضللتم»، وفي رواية «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً مَا وَسِعَهُ إِلا اتّباعي» فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً.ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاثة وجوه: أولها: في قوله: («أَمُتَهَوّكُونَ يَا ابْنَ الخَطّابِ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً») أي: أمتحيِّرون فقد جئتكم بما لا تحتاجون معه إلى غيره، فالاستفهام للاستنكار، وأنكر عليه النبي لتَحَقُّق الغِنى بما جاء به، فلا حاجة في أمور الدين والدنيا إلى غير الكتاب الذي أنزله الله ( على محمد .وثانيها: في قوله: (ولوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً واتبعتموه وتركتموني ضللتم) وكان مع موسى عليه الصلاة والسلام التوراة، فلو اتبعناه لضللنا لأنه لا هدْي بعد إنزال القرآن إلا ما فيه فأغنى عن ما سواه.
وثالثها: في قوله: (ولَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً مَا وَسِعَهُ إِلا اتّباعي) فإذا كان الأنبياء يتركون ما أُنزِل عليهم لو كانوا أحياءً ويتبعون النبي فغيرهم أولى في ترْك ما لم يأتِ به النبي والاستغناء بما جاء به ﷺ. ص29/31/32

باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام

س1: ما مقصود الترجمة: باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان حُكم الخروج عن الإسلام بالانتساب إلى غيره، فدعوى الإسلام هي الأسماء الدينية التي جُعلت له ولأهله كالإسلام والمسلمين، والإيمان والمؤمنين، والعبادة وعباد الله، والخروج عنها هو التَّسمي بغيرها مما لا يرجع إلى تلك الأسماء ويخالفها. ص34

س2: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج2: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة أربعة أدلة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الحج: 78] ودلالته على مقصود الترجمة: في ذِكْر ما سمَّى الله به عباده المتبعين رسله، فإنه سمَّاهم المسلمين في ما أنزل من كتبه قبل.
{ وَفِي هَذَا } [الحج: 78]أي: وفي القرآن.
وتسميتهم بغير ما سمَّاهم الله به خروج عن دعوى الإسلام فإن الله بهم أعلم وما رضيه لهم هو أسلم وأحكم. ص33/34

س3: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج3: عن الحارث الأشعري عن النبي ﷺ أنه قال: «آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه مَنْ فارق الجماعة قِيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومَنْ دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جُثاجهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام قال ﷺ: وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله». رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاثة وجوه:
أولها: في قوله: (فإنه مَنْ فارق الجماعة قِيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلَّا أن يراجِع).
ومن مفارقة جماعة المسلمين: الخروج عن دعوى الإسلام.
فإن جماعة المسلمين لا اسم لهم ولا علامة إلا ما سمَّاهم الله به، أو سمَّاهم به رسوله ﷺ.
والربقة في الأصل: عُروة تُجعَل في عنق الدابة أو يدها لتمسكها.
والخبر عنه أنه بمنزلة مَنْ خلع رِبقة الإسلام من عنقه وعيد شديد يدل على التحريم الأكيد،
وثانيها: في قوله: (ومَنْ ادّعى بدعوى الجاهلية فإنه من جُثيِّ جهنم) فدعوى الجاهلية تشمل الانتساب إلى ما يخالف ما جاء به الرسول ﷺ، فدعوى الجاهلية تشمل الانتساب إلى ما يخالف ما جاء به النبي ﷺ.
وتقدم أن المنسوب إلى الجاهلية مُحرَّم، والوعيد عليه بجهنم تأكيد لحرمته.
ومعنى جُثيِّ جهنم: جماعاتها، وهو جمع جِثوة (بكسر الجيم وضمها وفتحها) فيقال: جِثوة، وجُثوة، وجَثوة؛ وهي الحجارة المجموعة.
فجعله بمنزلة الحجارة المجموعة المستقرة في نار جهنم.
وثالثها: في قوله: (فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) ففيه الأمر بلزوم دعوى الله التي سمى الله بها عباده، كالمسلمين، والمؤمنين، وعباد الله.
والأمر للإيجاب وهو يستلزم حُرمة مقابلها لأنه خروج عن دعوى الإسلام، فمَنْ تسمى باسم لم يُسمِّ الله به عباده ولا سمَّاهم به رسوله ﷺ ولا كان ممَّا يرجع إلى تلك الأسماء الشرعية ففِعْله مُحرَّم أشد التحريم. ص33/34/35

س4: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: حديث: «مَنْ فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية».
ودلالته على مقصود الترجمة: كون مفارقة الجماعة من دعوى الجاهلية المباينة لدعوى الإسلام.
وتَوَعُّد مَنْ مات كذلك بالموت ميتة جاهلية دال على التحريم. ص33/36

س5: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: حديث: «أبِدَعوى الجاهليَّة وأنا بين أظهركم».
ودلالته على مقصود الترجمة: في إنكاره ﷺ على مَنْ دعا بدعوى الجاهلية وتغيُّظه من فَعْلته المفيد حُرمتها.
ووجه دعوى الجاهلية في قول الصحابي الأنصاري: يا للأنصار، وقول الصحابي المهاجري: يا للمهاجرين، ما وقع منهما من عقد الولاء والبراء عليها، فعقد الأنصار ولاءهم على أنصاريَّتهم، وعقد المهاجرون ولاءهم على هجرتهم وتبرَّؤوا من غيرهم؛ فوقعت المنافرة بينهم فكان ذلك موجِباً قوله ﷺ: «ما بال دعوى الجاهلية».
ص36

س6: اذكر كلام ابن تيمية الحفيد في حقيقة دعوى الجاهلية.

ج6: قال أبو العباس رحمه الله تعالى: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال ﷺ «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟» وغضب لذلك غضباً شديداً. انتهى كلامه رحمه الله. ص33

س7: ماحكم قول أحدهم :(أنا سعودي)مثلا ؟

ج7: إذا كان يريد بهذه النسبة إلى البلد أنه يثبت له بها من الحُرمة والفضل ما ليس لغيره من المسلمين فهي من دعوى الجاهلية، فإنه كغيره من المسلمين في حظِّه من الإسلام،
وإذا قالها يريد مجرد الانتساب إلى بقعة من الأرض تُسمى بهذا الاسم لم يكن ذلك من دعوى الجاهلية، وكان جائزاً؛ فإنها من النِّسَب اللغوية التي لا تخالف الشريعة.
ص37

باب وجوب الدخول في الإسلام كلِّه وترك ما سواه

س1: ما مقصود الترجمة: باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه

ج1: مقصود الترجمة: بيان وجوب الدخول في الإسلام كله بالتزام جميع أحكامه لا بعضها دون بعض. ص39

س2: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج2: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثمانية أدلة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة: 208] ودلالته على مقصود الترجمة: في الأمر بالدخول في السلم وهو الإسلام، والأمر للإيجاب، والتأكيد بقوله: (﴿كَافَّةً ﴾ [البقرة:208]) يتضمن ترْك ما سواه لأن مَنْ خرج عن شيء منه وقع في ما سواه. ص27

س3: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج3: قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 60] ودلالته على مقصود الترجمة: في تمامها: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 60] فإن الله ( عَجِب مستنكراً من فِعْل المنافقين الزاعمين أنهم آمنوا بما أُنزِل على محمد ﷺ، وما أُنزل على الأنبياء من قبلهم فوبخهم الله على إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت مع أنه أمرهم بالكفر به، ولا يتحقق الكفر به إلا بترْكه، وإذا تركوا الطاغوت فآمنوا بالله كان دخولهم في الإسلام كاملاً، فيدخلون فيه كله ويتركون ما سواه، فذلك يستلزم وجوب الدخول في الإسلام كله لأن تحقق الإيمان به لا يكون إلا بالتزامه كله وترْك ما سواه. ص40

س4: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه ؟ وأين دلالته على ذلك

ج4: قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [الأنعام : 159]ودلالته على مقصود الترجمة: في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:159]) فالمفرِّقون دينهم ليسوا على طريقة محمد ﷺ التي بُعِث بها، وهو بريء ممَنْ كان كذلك، وفِعْله مُحرَّم، ولا يخرج العبد من تفريق الدين إلا بالدخول فيه كله، ولا يسلم العبد من تفريق الدين إلا بالدخول فيه كله وترْك ما سواه.
والمراد بـ (تفريق الدين): تعظيم بعضه، واتخاذه شعاراً، وهجْر غيره من أحكام الإسلام وعدم الانتهاض إليه. ص40/41

س5: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة ،باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: قوله تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 106] وذكر فيه المصنف تفسير ابن عباس: (تبيض وجوه أهل السُّنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف) إسناده لا يثبت.
ومعنى الآية أعمُّ من هذا فإنها تتناول ابيضاض وجوه أهل الإيمان واسوداد وجوه أهل الكفران. ذكره ابن جرير الطبري، ويُروى فيه شيء مأثور بإسناد لا بأس به عن أُبي بن كعب رضي الله عنه.
فيكون المذكور من تفسيرها بأهل البدع والضلال من جملة الخاص المذكور من أفراد العام تعظيماً له.
ودلالته على مقصود الترجمة: أن تبييض الوجوه يكون بلزوم الإسلام كله، واسودادها يكون بترْكه.
فالتزام الدخول في الإسلام كله واجب لتوقف النجاة عليه في الآخرة. ص41/42

س6: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة ، باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: وعن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان فيهم مَنْ أتى أمه علانية كان في أمتي مَنْ يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة». إسناده ضعيف.
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في ذِكْر الافتراق، وموجبه: أخْذ بعض الدين وترْك بعضه، والوعيد عليه برهان حرمته.
والآخر: ذِكْر أن الناجي هو الباقي على ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه، والذي كانوا عليه هو الدخول في الإسلام كله، فوجب الدخول في الإسلام كله لتوقف النجاة عليه. ص38/43

س7: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة _ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: حديث: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة – قالوا: مَنْ هي يا رسول الله؟ قال ﷺ: ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، فليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله كلام الصادق المصدوق في هذا المقام، خصوصاً قوله ﷺ: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة. رواه الترمذي ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة، وصححه ولكن ليس فيه ذِكْر النار.
ودلالته على مقصود الترجمة: في ذِكْر افتراق هذه الأمة الواقع بأخذ بعض الدين وترْك بعضه، فإنهم لما كانوا كذلك تفرقوا.
وهذا دال على حُرمة افتراقهم ووجوب التزامهم الدين كله. ص38/43

س8: ما هو الدليل السابع على مقصود الترجمة _ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه _؟

ج8: حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: «إنه سيخرج في أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله»
والكَلَب: داء يصيب الإنسان من عضة كَلْب به مثل الجنون.
ص39/43

س9: ما هو الدليل الثامن على مقصود الترجمة _ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج9: قوله : «ومبتغ في الإسلام سُنَّة الجاهلية».
ودلالته على مقصود الترجمة: أن مَنْ ابتغى في الإسلام سُنة الجاهلية فإنه يترك بعضه، ولا يسلم العبد من سُنن الجاهلية إلا بالتزام الإسلام كله، فيكون الدخول في الإسلام واجباً لتوقف السلامة من سُنن الجاهلية على الالتزام به، فيكون الالتزام الإسلامي واجباً ، فلا يتبرأ العبد من سُنن الجاهلية ولا ينأى بنفسه عنها إلا إذا التزم دين الإسلام كله.
وشدة البُغض دليل على شِدة الحُرمة، ولا ينجو العبد من هذا البغض إلا بموافقة محبوب الله وهو الدخول في الإسلام كله، فمَنْ دخل في الإسلام كله أحبه الله سبحانه وتعالى. ص43/44

باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر

س1: ما مقصود الترجمة: باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر؟

ج1: مقصود الترجمة: تعظيم شر البدعة، وبيان خطرها، وأنها أشدُّ ضرراً، وأكبر خطراً من الكبائر. ص46

س2: عرف كلاً من البدعة والكبيرة شرعاً.

ج2: البدعة شرعاً: ما أُحدِث في الدين مما ليس منه بقصد التعبد.
والكبيرة شرعاً: هي ما نُهي عنه على وجه التعظيم، فيندرج فيها الكفر والشرك فما دونهما.
وخُصَّت اصطلاحاً بما سوى الشرك والكفر: فالكبيرة اصطلاحاً: ما نُهي عنه على وجه التعظيم دون الشرك والكفر والبدعة. ص46

س3: لماذا اشتد خطر البدع حتى فاقت الكبائر؟

ج3: البدع اشتد خطرها حتى فاقت الكبائر لأمرين:
أحدهما: أمر يتعلق بالفعل؛ وهو وقوعه استدراكاً على الشريعة ونسبةً لها إلى النقص، واحتياجها إلى التكميل، فمخترع البدعة يكون بفِعْله مُستدركاً على الشريعة ناسباً إياها إلى النقص، وأنها مُحتاجة إلى الكمال حتى رتب هذا الفعل فجعله منها.
والآخر: أمر يتعلق بالفاعل؛ وهو أن فاعل البدعة يجعلها ديناً يتقرب به إلى الله.
وهذان الأمران مفقودان في الكبائر، فإن المنغمس فيها لا يريد بفعله الاستدراك على الشريعة، ولا نسبتها إلى النقص، ولا احتياجها إلى التكميل، ولا يعدُّها ديناً يتقرب به إلا الله (.
فلما اختصت البدعة بالأمرين المذكورين صارت إجمالاً أشد خطراً، وأعظم ضرراً. ص46/47

س4: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج4: ذكر المصنف رحمه الله سبعة أدلة لتحقيق مقصود الترجمة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 116] ودلالته على مقصود الترجمة: أن البدع أشبه بالشرك لأنهما يُتعبَّد بهما ويُتخذان ديناً؛ فيجتمعان في إرادة التقرب، فالبدعة حينئذٍ أعظم من الكبيرة وأجدر بالعقوبة لمشابهتها الشرك الذي لا يغفره الله، فيُتخوَّف على الواقع فيها ألا تُغفَر له أشد من التخوف على صاحب الكبيرة؛ فصاحب الكبيرة أرجى في حصول المغفرة له من صاحب البدعة، فتكون البدعة أشد من الكبائر. ص45/47

س5: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: قوله تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[الأنعام: 144] ودلالته على مقصود الترجمة: أن المبتدع ممَنْ يفتري على الله كَذِباً ليضل الناس بغير علم، فلا أحد أشد ظُلماً منه.
وفاعل الكبيرة لا يدانيه في هذا فهو لا يجعلها ديناً، ولا ينسبها إلى الشرع، فالبدعة أشد من الكبائر لما فيها من الافتراء على الله كذِباً. ص45/47

س6: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: قوله تعالى: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25] ودلالته على مقصود الترجمة: أن الكافر المُضل يحمل أوزاره وأوزار مَنْ أضلَّه كاملةً، وكذلك المبتدع المضِل، فإنهم يُزَوِّقان الشرك والبدع ويُزينان للناس فِعْلهما بجَعْلهما من الدين، فالمبتدع المضِل مشابه للكافر المُضِلِّ بزخرفتهما الباطل والتمويه على الناس في اتخاذ ما ليس ديناً من الدين، فيكون جزاء المبتدع المضِل أن يتحمل وزره ووزر مَنْ اتبعه، وكذلك الكافر المضل يتحمل وزره ووزر مَنْ اتبعه، ولا يوجد هذا في صاحب الكبيرة لأنه لا يجعلها ديناً، فلو زيَّنها للناس فإنه لا يُزيُّنها لهم أنها قربة يُتقَرَّب بها إلى الله. ص47/48

س7: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: في الصحيح أنه قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»
ودلالته على مقصود الترجمة: في قوله ﷺ: (فاقتلوهم) أمراً به لِمَنْ لقي الخوارج وهم من شر أهل البدع، فأُمِر بقتالهم على بدعتهم استعظاماً لشرهم، ولم يأتِ مثله في قتال أهل الكبائر، فالبدعة أشد من الكبائر. ص48]

س8: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة ،باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج8: أنه ﷺ قال في الخوارج: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد».
ودلالته على مقصود الترجمة في خبره ﷺ عن عزمه على قتال الخوارج حسماً لبدعتهم ومُبالغةً في تقبيحها ولم يأتِ نظير هذا في أهل الكبائر فعُلِم أن البدعة أشد من الكبائر. ص48

س9: لو اعترض قائل فقال: حديث «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، فأعمد إلى أقوام لا يشهدون الجمعة والجماعة فأُحَرِّق عليهم بيوتهم» كيف الجواب عن هذا الإشكال؟

ج9: أنه أخبر عن همه ولم يفعل ﷺ، وأما في قتال الخوارج فالذي أراده عزم مؤكد بدليل قوله ﷺ: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم). ص48

س10: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج10: أنه نهى عن قتْل أمراء الجور ما صلُّوا.
ودلالته على مقصود الترجمة: أن جور الأمراء-وهو ظلم الرعية -كبيرة من الكبائر، وحُرِّم قتالهم ما لم يكفروا.
وقال النبي ما قال في قتال الخوارج؛ فنهى عن قتال مَنْ عنده كبيرة عظيمة وهي الظلم وأمر بقتال مَنْ عنده بدعة عظيمة- وهي بدعة الخوارج-، فالبدعة أشد من الكبائر. ص48/49

س11: ما هو الدليل السابع على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج11: عن جرير أن رجلاً تَصَدَّق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله ﷺ : «مَنْ سنَّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر مَنْ عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَنْ سنَّ في الإسلام سُنة جاهلية كان عليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها من بعده إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله ﷺ: «(ومَنْ سنَّ في الإسلام سُنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَنْ اتبعه فيها». الحديث.
والسُّنة السيئة: هي البدعة؛ لأنها تُنسَب إلى الإسلام وليست منه، ويبلغ جُرم صاحبها أن يحمل وزره وأوزار مَنْ اتبعه كاملة، ومَنْ دعا إلى كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يلحقه وِزرُه وبعض وِزر مَنْ اتبعه، فلا يكون عليه من الوزر ما على الفاعل، فليس وزر الفاعل كاملاً عليه؛ فيفترقان في أن صاحب البدعة يحمل الأوزار كاملة، وأما صاحب الكبيرة فيحمل حظاً من أوزار مَنْ اتبعه، والدليل على هذا آية وحديث؛
فأما الآية: فقوله تعالى: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } [النساء: 85] أي: حظ منها.
فالكفل: هو النصيب.
وأما الحديث: فقوله ﷺ: «ما من نفس تُقتَل ظُلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفل منها لأنه سَنَّ القتل» متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
والمذكور في الآية والحديث هو من جنس الذنوب المعظَّمة من الكبائر، وفيهما: أنه يكون له حظ من ذنوب مَنْ اتبعه، وأما البدعة فتكون عليه ذنوبهم فيها كاملةً. ص45/49/50

س12: ما هو الدليل الثامن على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج12: حديث أبي هريرة: «مَنْ دعا إلى هدى -ثم قال-: ومَنْ دعا إلى ضلالة».
ودلالته على ذلك في قوله ﷺ: («ومَنْ دعا إلى ضلالة»).
ثم جعل عليه من الوزر وزره ووزر مَنْ اتبعه من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً. ص50

باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة

س1: ما مقصود الترجمة: باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة؟

ج1: مقصود الترجمة كسابقتها في بيان قُبْح البدعة وشناعتها لكن من جهة أخرى وهي: شؤم البدعة وجنايتها على فاعلها أن الله احتجر عنه التوبة-أي: منعه إياها- فلا تكون له رغبة فيها.
وليس المقصود من الترجمة امتناع قبول توبة المبتدع؛ بل مراده تبعيد حصولها منه، فإن من شر البدعة والهوى أنه يعلق بقلب صاحبه فلا يكاد ينزع عنه ويتوب منه. ص51

س2: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج2: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثلاثة أدلة.
الدليل الأول: حديث أنس: «إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة» رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير من وجه لا يصح.
ورُوي بألفاظ ثلاثة: «حَجَب، وحَجَر، وحَجَزَ» وكلها بمعنى واحد.
ودلالته على مقصود الترجمة ظاهرة للمطابقة بينهما؛ فإن المصنف ترجم به. ص51/52

[/

س:3 ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة، و أين دلالته على ذلك ؟

ج3: حديث الحسن البصري مُرسلاً، أخرجه ابن وضاح في «البدع والنهي عنها»، وهو أحسن ما في هذا الباب.
والمُرسَل من الحديث الضعيف.
ودلالته على مقصود الترجمة كسابقه؛ فإن المطابقة بينهما وبين الترجمة ظاهرة. ص52

س4: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة _؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: عن أيوب أنه قال: كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: «يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه»، وسُئل أحمد بن حنبلٍ رحمه الله تعالى عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (ثم لا يعودون إليه) فتتجارى بهم الأهواء وتتمكن منهم، فلا ينزع عنها، وهذا معنى قول الإمام أحمد: (لا يوفق للتوبة) أي: لا يُيسَّر له حصولها.
فإن البدعة إذا علت القلب واستولت عليه كان لصاحبها بها غرام، فلا يريد الانفكاك عليها فتثقل عليه التوبة منها، فلا يكاد يتوب منها وينزع عنها.
وربما فتح الله لِمَنْ شاء من خلقه من المبتدعة باب التوبة فتابوا، فالأمر- كما تقدّم- أنه لا يمتنع وقوع التوبة منهم، لكن يبعد ذلك لأن البدعة إذا حلّت بالقلب بسطت سلطانها عليه، وزاد غرام فاعلها بها، فلا يقوى على تركها والبعد عنها. ص51/52/53

باب قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 65] إلى قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67]

س1: ما مقصود الترجمة: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65' إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 'آل عمران: 67'؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان أن مآل البدعة رغبة صاحبها عن الإسلام، فيكاد لشدة علوقه بها أن يتخذ ديناً سوى الإسلام، وهذا معنى قول بعض الأدباء: البدعة شَرَك الإشراك، أي: الحبالة التي ينصبها الشيطان ليأخذ بها مَنْ يأخذ من أهل الإسلام فيخرجهم إلى الشرك فيزين لهم البدع أولاً، فإذا تهتكوا فيها وتكثروا منها تحولوا إلى الشرك والكفر. ص55

س2: ما العلاقة بين البدعة والشرك؟

ج2: البدعة قنطرة الشرك؛ أي: بمنزلة الجسر الذي يُرقى عليه للوصول إلى الشرك والكفر.
ص55

س3: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65 'إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }'آل عمران: 67اذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج3: ذكر المصنف لتحقيق مقصود الترجمة خمسة أدلة:
فالدليل الأول: قوله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 65] ودلالته على مقصود الترجمة: أن اليهود والنصارى لما تفرقوا واختلفوا رغبوا عن ملة إبراهيم عليه السلام، ومثلهم المختلفون المتفَرِّقون في هذه الأمة، ومثلهم المختلفون في هذه الأمة من أهل البدع، فإنهم بما صنعوا يكادون يرغبون عن هذا الدين، فمَنْ حاذى اليهود والنصارى في تفرقهم حاذاهم في الخروج عن ملة الإسلام، فمَنْ حاذى اليهود والنصارى- يعني شاكلهم ووافقهم- في التفرق والاختلاف حاذاهم في الخروج عن ملة الإسلام. ص54/55

س4: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65' إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 'آل عمران: 67'؟وأين دلالته على ذلك؟

ج4: قوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: (﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة:130])؛ فالراغبون عن ملة إبراهيم لهم حظ من السّفه.
والناس فيه مستقل ومستكثر، ومن أعظم الرغبة عن الحنيفية مواقعة البدع؛ لأنها تتضمن الإقبال على الله والتسليم له، فالمتلطف بالبدعة له حظ من السفه يوشك أن يعظُم سفهه حتى يتخذ غير دين الإسلام ديناً. ص54/56

س5: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65 إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 'آل عمران: 67'؟وأين دلالته على ذلك؟

ج5: حديث الخوارج المتقدم وهو حديث: «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وهو في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ومروق السهم: خروجه.
والرمية: الصيد الذي يُقصَد بالنبل.
فمن الصيد مَنْ يضربهم النبل في جنبه ثم يخرج- يعني السهم- في جنبه ثم يخرج من الطرف الآخر.ودلالته على مقصود الترجمة: في مروقهم وعدم رجوعهم إلى الإسلام لرغبتهم عنه بالبدعة.
فهؤلاء الخوارج مارقون من الإسلام واختُلِف في مروقهم بالخروج؛ هل هو خروج إلى الفسق، أم خروج إلى الكفر؟، واختُلِف في مروقهم من الإسلام هل هو مروق بالخروج إلى الفسق أم إلى الكفر؟
على قولين أصحُّهما: أنهم فسَّاق غير كفار لإجماع الصحابة على عدم كُفرهم نقله ابن تيمية الحفيد. ص56

س6: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65' إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 'آل عمران: 67'؟وأين دلالته على ذلك؟

ج6: في الصحيح أنه قال: «إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتَّقون»
الحديث. وهو بهذا اللفظ لا يوجد؛ بل مُؤَلَّف من حديثين:
فالحديث الأول: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنَّما وليِّيَ الله وصالح المؤمنين» وأُبهم فلان سَتْراً له ولعدم الحاجة إلى ذِكْره.
والحديث الثاني: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن أولى الناس بي المتَّقون حيث كانوا ومَنْ كانوا». رواه أحمد وإسناده حسن.
فالحديث المذكور عند المصنف مُؤلَّف من هذين الحديثين، ودلالته على مقصود الترجمة أن مَنْ أحدث في الإسلام ولو كان من قرابة رسول الله ﷺ فقد بريء منه الرسول، فالبدعة تقطع صاحبها عن تولي المؤمنين، وربما عظُمت به الحال حتى يفارق دينهم وينافرهم. ص54/56/57

س7: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 'آل عمران: 65'إلى قوله: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 'آل عمران: 67'؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: عن أنس أن رسول الله ﷺ ذُكِر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر، فقال النبي ﷺ: «لكني أنام وأقوم وأصوم وأُفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم، فمَن رغب عن سُنتي فليس مني».
ودلالته على مقصود الترجمة في قوله ﷺ: (مَنْ رغب عن سُنتي فليس مني) أي: مَنْ ترك طريقتي فليس مني. ص54/57

س8: الرغبة عن السُّنة نوعان، ما هما؟

ج8: أحدهما: الإعراض عنها مع اعتقاد العبد أن ما هو عليه أكمل هديْاً من هدْي الرسول ﷺ، وهذا كُفر مُخرِج من الإسلام.
والآخر: الرغبة عنها بتأويل يعرض للعبد؛ فهذا لا يخرج به العبد من الإسلام.
ويشتد الخوف عليه لوقوعه في أمر عظيم؛ لأن شأن السُّنة- وإن قلّ في شيء- من أعظم الأمور، فالناس لا سبيل لهم إلى معرفة الطريق إلى الله إلا بما بيّنه النبي ﷺ، فإذا عدل العبد عنه ولو كان في شيء يسير تخوّف على نفسه أن يجره ما عدل به إلى ما هو أعظم منه حتى يوقعه في شر كبير في الدنيا والآخرة.
ولهذا إذا نظر المرء في آثار السلف في تعظيم السُّنة رأى منهم قوة في اتباع السُّنة وخوفاً من مخالفتها ولو كان في أمر قليل، فكانوا لا يحمدون فِعْلاً يخرج به العبد عن السُّنن والآثار، فإما أن يكون شيئاً عن رسول الله ، وإما أن يكون شيئاً عن أصحابه. ص57/58

باب قول الله تعالى:﴿{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم : 30] الآية.

س1: ما مقصود الترجمة: باب قول الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30'؟

ج1: مقصود الترجمة: الأمر بالاستقامة على الإسلام والثبات عليه، وأنه دين الفطرة، والتحذير من البدع لأنها تغيير له واعوجاج عنه. ص62

س2: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب قول الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم: 30'؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج2: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة أربعة عشر دليلاً.
فالدليل الأول: قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
[الروم: 30] ودلالته على مقصود الترجمة: ما فيه من الأمر بإسلام الوجه لله، والإقبال عليه، وأنه الدين المستقيم الموافق للفطرة.
والبدعة تنافي إسلام الوجه لله لما فيها من منازعة مَنْ أرسله الله إلينا. ص59/62

س3: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30'؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج3: قوله تعالى: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [البقرة : 132]ودلالته على مقصود الترجمة في وصية إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام بلزوم الإسلام حتى الموت لأنه دين الله المصطفى، ومَنْ رغِب عن الدين المصطفى وقع في الدين المرذول المُطَّرح وأخلَّ بوصية النبيين.
والبدع من الدين المرذول المُطَّرَح، وليست من الدين المصطفى. ص59/62

س4: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30 '؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: قوله تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [النحل : 123]ودلالته على مقصود الترجمة في قوله: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } [النحل : 123]فإنه أمْرٌ باتباع إبراهيم في حنيفيَّته المتضمِّنة الإقبال على الله.
ومن الإقبال عليه: التدين له بما شرع والانكفاف عن البدع، فالبدع خارجة عن الحنيفيَّة لأنَّها إملاء الأهواء والآراء. ص59/63

س5: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم: 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن لكل نبي ولاةً من النبيَّين وإن وليِّي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي» ثم
قرأ: { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران:68] رواه الترمذي. وفيه ضعف.
ودلالته على مقصود الترجمة: في موالاته ﷺ إبراهيم، وكونه هو والذين آمنوا أولى به، وهو معنى مُقَرَّر في القرآن والسُّنة الصحيحة، وكانوا هم أولى به لاتباعهم ملته واستقامتهم عليها.
وملة إبراهيم- كما سلف- هي محض الإقبال على الله، ومن جملتها أن يُعبَد الله بما شرع لا بالأهواء والبدع. ص59/63

س6: ما هو الدليل الخامس على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم: 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج6: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء» رواه مسلم.
ودلالته على مقصود الترجمة: في خبره ﷺ عن غربة الإسلام في طرفيه ابتداءً وانتهاءً، وتَحَقُّق تلك الغربة منشؤه ما دانوا به من دين الإسلام، فإنهم انفردوا عن غيرهم باستقامتهم عليه.
ومن جملة الاستقامة عليه ترْك البدع؛ فمَنْ نفى البدع عن دينه فهو على الدين الذي كان عليه النبي ﷺ. ص59/63

س7: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: عن أبي هريرة أيضاً أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».ودلالته على مقصود الترجمة: ما فيه أن محل نظر الله من العبد قلبه وعمله، فهما حقيقان بحفظهما بالاستقامة على الإسلام، والثبات عليه، والبراءة من البدع والأهواء.
فكمال التزين لله: تَزَيُّن العبد في قلبه وعمله بالتوحيد والاتباع. ص59/64

س8: ما هو الدليل السابع على مقصود الترجمة باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج8: عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا فرطكم على الحوض وليُرفعن إلي رجال من أمتي حتى إذا أهويت لأناولهم اختُلجوا دوني فأقول: أي رب أصحابي فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
ومعنى أنا فرَطَكم: أنا سابقكم.
ودلالته على الترجمة في بيان سوء عاقبة الإحداث والميل عن الصراط المستقيم وأن البدع تؤول بصاحبها إلى براءة الرسول ﷺ منه، وحرمانه من الورود على حوضه، ومَنْ واقع البدع فهو حقيق بالحرمان لما فيها من الإحداث فأهل البدع كلهم مبدِّلون مُحدِثون، قاله ابن بطال في شرح البخاري. ص59/64

س9: ما هو الدليل الثامن على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج9: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «وددت أنَّا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، قالوا: فكيف تعرف مَنْ لم يأت بعد من أمتك؟ قال ﷺ: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرّ محجلة بين ظهراني خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال ﷺ: فإنهم يأتون غُرَّا محجَّلين من الوضوء، وأنا فَرَطهم على الحوض، ألا ليُذَادَنَّ رجال يوم القيامة عن حوضي كما يُذاد البعير الضَّالُّ أُناديهم ألا هلمَّ فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدك فأقول: سُحقاً سُحقاً».
ودلالته على مقصود التَّرجمة من وجهين:
أحدهما: في فضيلة الاستقامة على الإسلام، واستحقاق أُخوَّة النبي ﷺ بها، فمَنْ استقام على دين الإسلام ولم يُدرك حياة النبي ﷺ فإنه إذا فاتته الصحبة لم تفته الأخوَّة.
والآخر: سوء عاقبة الإحداث بالمنع عن الحوض؛ فمَنْ أحدث وبدّل مُنع الورود على حوضه ﷺ، والبدع من الإحداث والتبديل.
وزاد في هذا الحديث دعاءه ﷺ على المُحدِثين المُبدِّلين في قوله: (سحقاً سحقاً) أي: لحقهم الهلاك والبوار. ص59/64/65

س10: ما هو الدليل التاسع على مقصود الترجمة باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج10: للبخاري: «بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتُهُم وعرفوني خرج رجل بيني وبينهم فقال: هلمَّ فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنُهُم؟ قال: إنهم ارتدُّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة – فذكر مثله – قال ﷺ: فلا أُراه يخلُصُ منهم إلا مثلُ هَمَلِ النِّعَم».
ودلالته على مقصود الترجمة كسابقيه في ذِكْر سوء عاقبة الإحداث.
وقوله في الحديث: (لا أُراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) أي: لا يخلص منهم إلا قليل.
وهمل النعم: الإبل المُرسَلة التي تُترَك لا حافظ لها. ص60/65

س11: ما هو الدليل العاشر على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } الروم: 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج11: لهما في حديث ابن عباس: «فأقول كما قال العبد الصالح: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة : 117] ودلالته على مقصود الترجمة في براءته ﷺ من المُحدثين المُبَدِّلين كما في تمام لفظ الحديث.
والعبد الصالح: هو عيسى بن مريم، وقعت تسميته في صحيح البخاري. ص60/65

س12: ما هو الدليل الحادي عشر على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج12: حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها»، ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30]. متفق عليه.
ودلالته على مقصود الترجمة: في خبره ﷺ أن الناس يولدون على الفطرة، أي: الإسلام الخالص من الشوب.
فالتبديل والإحداث يخرج به العبد عن الفطرة، فالتبديل والإحداث بالبدع يخرج به العبد عن الفطرة. ص60/65

س13: ما هو الدليل الثاني عشر على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم: 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج13: عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله، إنّا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال ﷺ: نعم. فقلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال ﷺ: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال ﷺ: قوم يستنُّون بغير سُنَّتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال ﷺ: نعم فتنة عمياء ودعاة على أبواب جهنم، مَنْ أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال ﷺ: قوم من جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا – قلت: يا رسول الله فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال ﷺ: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال ﷺ: فاعتزل تلك الفِرَق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك». أخرجاه.
زاد مسلم: «ثم ماذا؟ قال ﷺ: ثم يخرج الدجال معه نهر ونار فمَنْ وقع في ناره وجب أجره وحُطَّ عنه وزره، ومَنْ وقع في نهره وجب وزره وحُطَّ أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة».
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: ما ذكره ﷺ من وقوع الإحداث والتبديل بعده تحذيراً منه وتنفيراً عنه؛ فالخوف من الوقوع فيه عظيم لتحقُّق صدق النبي ﷺ أن يمسَّ العبد شيء من الإحداث والتبديل.
والآخر: وصيته ﷺ بالاستقامة والثبات على الإسلام بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فليعتزل تلك الفِرَق كلها، ولو أن يفضي به اعتزاله إلى أن يعض على أصل شجرة، أي: يشد بأسنانه على جذع شجرة حتى يأتيه الموت وهو كذلك.
وشده على جذع الشجرة حتى يأتيه الموت فذلك حاديه وابتغاؤه السلامة الدينية لنفسه، فإذا هرج الناس وماجوا كانت سلامته في خروجه عنهم إلى ما أوصى به النبي ص60/66]

س14: ما هو الدليل الثالث عشر على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم: 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج14: قال أبو العالية: تعلَّموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصِّراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط شمالاً ولا يميناً، وعليكم بسُنَّة نبيكم وإيَّاكم وهذه الأهواء.
تأمل كلام أبي العالية هذا ما أجلَّه، واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي مَنْ اتَّبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسُّنة وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن الإسلام والسُّنة يتبين لك معنى قوله تعالى: قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [البقرة: 131] وقوله تعالى : { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 132] وقوله تعالى: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } [البقرة : 130] وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلة، وبمعرفة هذا يتبين لك معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو آمن مطمئن أنها لا تناله ويظنها في ناس كانوا فبانوا ،آمناً مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من الأمر بتعلم الإسلام، وعدم الرغبة عنه، والاستقامة على الصراط المستقيم، واتباع السُّنة، والحذر من الأهواء المُحدَثة لأنها توقع الناس في العداوة والبغضاء، فالسُّنة تورث المحبة، والبدعة تورث العداوة.
فالناس إذا كانوا جميعاً على سُنة وهي الحاكمة عليهم تآلفوا وتحابوا، وإذا دخلتهم الأهواء تفرقوا وتباغضوا. ص61/67

س15: ما هو الدليل الرابع عشر على مقصود الترجمة _ باب قول الله تعالى:﴿ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } 'الروم : 30؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج15: عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «خطَّ لنا رسول الله ﷺ خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153] رواه أحمد والنسائي.
ودلالته على مقصود الترجمة: في بيان أن سبيل الله هو الإسلام، وأنه هو المستقيم، وما خرج عنه يميناً وشمالاً فهي سُبُلٌ على كل سبيل منها شيطان يدعو الناس لسلوكها، ويزين لهم الدخول فيها. ص62/67

س16: الشياطين نوعان. ما هما؟

ج16: أحدهما: شياطين جنِّيَّة.
والآخر: شياطين إنسيَّة.
فالمزيِّنون للباطل، المُزوِّقون له، المرَغِّبُون للخلق الدخول فيه لهم حظٌّ من الشَّيطنة وإن كانوا إنساً. ص68

باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء

س1: ما مقصود الترجمة: باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء؟

ج1: مقصود الترجمة: بيان وقوع غربة الإسلام وفضل الغرباء، وتكون غربة الإسلام بِقِلَّة العاملين به وانفرادهم عن غيرهم. ص69

س2: غربة أهل الإسلام نوعان. اذكرها.

ج2: أحدهما: الغربة القَدَرِيَّة؛ وهي للمسلمين كافة بين الكافرين.
والآخر: الغربة الشرعية؛ وهي للمسلم المتَّبع هدْيَ النبي ﷺ بين المسلمين.
والفضائل المذكورة والمناقب المأثورة في الآيات والأحاديث للغرباء هي حظُّهم دون غيرهم من المسلمين لأنَّ الغربة الممدوحة المعتدَّ بها شرعاً هي التي يتمسك فيها العبد بهدي النبي ص69/70

س3: كم دليلاً ذكر المصنِّف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج3: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة تسعة أدلة.
فالدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116] ودلالته على مقصود الترجمة: في قوله في تمامها: (﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ [هود:116]) فالنَّاجي قليل، والقليل يكون غريباً، ونجاتهم دالَّة على فضلهم، فمن فضل الغرباء أنهم هم النَّاجون. ص68/70

س4: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة ، باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء». رواه مسلم
ودلالته على مقصود الترجمة ظاهرة؛ ففيه الخبر الصادق عن وقوع غربة الإسلام، وأنه بدأ غريباً وسيعود غريباً مع بيان فضل الغرباء في قوله ﷺ: (طوبى للغرباء).
وطوبى: فُعلَى من الطيب، فلهم كل طيب في الدنيا والآخرة، وهم الفائزون بالحياة الطيبة في الدارين. ص68/70/71

س5: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة ،باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: حديث ابن مسعود وفيه قيل: «ومَنْ الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل». وفي رواية «الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس».
ودلالته على مقصود الترجمة أنَّ فيه بيان فضل الغرباء أنَّ لهم طوبى.
ووَصْفهُم أنهم النُّزَّاعُ من القبائل: أي المجتمعون من أعراق شتَّى وأنساب متفرِّقة.
والرِّواية الأخرى في حديث ابن مسعود: (الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس) رواه الآجرِّي في الغرباء، والدَّاني في الفتن، ولا تصح. ص68/71

س6: ما هو الدليل الرابع على مقصود الترجمة ،باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء ؟

ج6: حديث سعد بن أبي وقاص وفيه: «فطوبى يومئذٍ للغرباء إذا فسد الناس».
. ص68/72

س7: ما هو الدليل السادس على مقصود الترجمة ، باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء ؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج7: عن أبي أُمية قال: سألت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقلت: يا أبا ثعلبة! كيف تقول في هذه الآية؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة: 105] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، «سألت عنها رسول الله ﷺ فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر القابض فيهن على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قلنا: منّا أم منهم؟ قال: بل منكم» وإسناده ضعيف، لكن لجُمله شواهد تقويِّها، ولاسيما جملة أجر العامل في أيام الصبر.ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين :
أحدهما: في بيان غربة الإسلام في أيام الصبر والقبض على الجمر.
والآخر: أن للعامل فيها أجر خمسين من أصحاب سيد المرسلين ﷺ.
وتضعيف الأجر له دال على فضله، ولا يبلغ بالمضاعفة أن يكون خيراً منهم فلهم بمجموع شمائلهم وأحوالهم ما يكونون به أرفع من هؤلاء. ص68/72

باب التحذير من البدع

س1: ما مقصود الترجمة: باب التحذير من البدع؟

ج1: مقصود الترجمة: التحذير من البدع بالتخويف منها وبيان خطرها ليجتنبها العبد ولا يركن إليها ولا إلى أهلها.
وهذا المعنى الذي رامه المصنف تقدمت فيه ترجمتان:
الأولى: باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر.
والثانية: باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة. ص75/76

س2: ما هو قصد المؤلف بهاتين الترجمتين: الأولى: باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر. والثانية: باب ما جاء أن الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة. ولماذا ختم بهذه الترجمة: باب التحذير من البدع؟

ج2: قصد بالترجمتين السابقتين التحذير من البدع، ثم ختم بهذه الترجمة إمعاناً في التحذير وإبلاغاً في الزجر، وتأكيداً لهذا المعنى؛ لأن البدع والأهواء من أعظم الأدواء والعلل التي ينبغي أن يحذرها العبد وينفر منها ويتباعد عنها لئلا تفسد دينه. ص76

س3: كم دليلاً ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود ترجمته: باب التحذير من البدع؟ واذكر الدليل الأول مع وجه دلالته للترجمة.

ج3: ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثلاثة أدلة.
فالدليل الأول: عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: «وعظنا رسول الله ﷺ موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله ( والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» رواه أصحاب السنن إلا النسائي، وإسناده قوي.
ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاثة وجوه:
أولها: أمْره ﷺ بلزوم سُنته، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
والبدع ليست من سُنته ولا سُنة خلفائه الراشدين بل هي تناقضها فيجب الحذر منها.
وثانيها: تصريحه ﷺ بالتحذير من البدع في قوله: (وإيَّاكم ومحدثات الأمور)، فإنه زجر عنها وتخويف منها.
وثالثها: إخباره ﷺ أن كل بدعة ضلالة، والضلال يُحذَر منه وينأى العبد بنفسه عنه. ص74/76

س4: ما هو الدليل الثاني على مقصود الترجمة، باب التحذير من البدع؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج4: عن حذيفة أنه قال: كل عبادة لا يتعبَّدُها أصحاب رسول الله ﷺ فلا تتعبَّدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتَّقوا الله يا معشر القرَّاء، وخذوا طريق مَنْ كان قبلكم، رواه أبو داود.
ودلالته على مقصود الترجمة: في نهيه عن التعبُّد بما لم يتعبَّده أصحاب محمد ﷺ لأنَّهم بهديه أعرف وعلى سُنَّته أوقف، فما أُحدِث بعدهم هو من البدع التي يُحذَر منها. ص74/77

س5: ما هو الدليل الثالث على مقصود الترجمة ، باب التحذير من البدع؟ وأين دلالته على ذلك؟

ج5: قال الدَّارميُّ : أخبرنا الحكم بن المبارك ،أنبأنا عمرُو بن يحيى ،قال : سمعت أبي يحدِّث عن أبيه ،قال : كنَّا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشيْنا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أَخَرَج عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، قال: فجلس معنا، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت آنفاً في المسجد أمراً أنكرته، والحمد لله لم أرَ إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه قال: رأيت في المسجد قوماً حِلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة، فيهلِّلون مائة، فيقول: سبِّحوا مائة فيسبِّحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً، انتظار رأيك قال: أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيِّئاتهم وضمنت لهم أن لا يفوت من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدُّوا سيِّئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويْحَكم يا أمَّة محمَّد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء أصحاب محمد ﷺ بينكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبْل، وآنيته لم تنكسر، والذي نفسي بيده إنَّكم لعلى ملَّة هي أهدى من ملَّة محمَّد ﷺ أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله ﷺ حدَّثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم يكون منكم ثم تولَّى عنهم، قال عمرو بن سلمة: رأيت عامَّة أولئك الحِلق يطاعنوننا يوم النَّهروان مع الخوارج.
ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين:
أحدهما: في إنكاره رضي الله عنه عليهم وتغليظه القول لهم حتى قال لهم: (إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ﷺ أو مفتتحو باب ضلالة) فهم بين شرين:
فإما أن يكونوا معتقدين أن ما هم عليه خير من هديه ﷺ، وإما أن يكونوا مفتتحي باب ضلالة بالإحداث والابتداع في الدين.
والآخر: تَفَرُّسُه رضي الله عنه فيهم فراسة إيمانيه بالإخبار عمّا ستؤول إليه حالهم؛ أنه سيعظم أمرهم ويشتد شرهم، فاتفق ذلك بخروجهم بالسيف على المسلمين، فصار أكثر هؤلاء من الخوارج، فيوم النهروان يوم كان لعلي رضي الله عنه مع الخوارج، فجرتهم البدعة المستصغرة من الأذكار إلى بدعة مستعظمة من الأخطار، وهي: خروجهم على المسلمين، لأن مَنْ أقام على بدعة ورأى غيره على خلافها لم يزل تحلو له بدعته ويستخف بقدر غيره، ويستبدل حاله، حتى يبلغ به الاستخفاف أن يستخف بدمه فيخرج عليه فيقتله كالواقع من الخوارج الأوائل الذين كان مُبتدأ كثير منهم هذه الحال.
فالبدع تبدو صغاراً حتى تعود كباراً. كما قال البربهاري رحمه الله في شرح السُّنة.
ص74/75/77/78

والحمد لله رب العالمين

صالح العصيمي

المدرس بالمسجد الحرام والمسجد النبوي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. باك الله فيكم ونفعكم بعلمكم كما تنفعنا وأكثر وأحسن الله نياتكم وذرياتكم وأحسن الله عجبتكم اللهم آمين
    أرجو أن يصل هذا الدعاء لشيخ عصيمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى